يهدد تغير المناخ الأمن الغذائي العالمي والتغذية ويشكل مخاطر كبيرة عليها مستقبلَا. إذ من المتوقع أن يؤثر الجفاف والظواهر الجوية المتطرفة الأخرى والعوامل البيئية التي تفاقمت بسبب تغير المناخ على الزراعة وتقليل غلة المحاصيل الأساسية مثل القمح والأرز والذرة. لكن التنوع الحيوي الزراعي يحمل إمكانات كبيرة للتخفيف من مثل هذه التهديدات التي تتعرض لها الزراعة في أجزاء مختلفة من العالم حيث يوجد العديد من المحاصيل المنسية والمهملة والتي تكون أكثر تحملاً للضغوط الحيوية وغير الحيوية ولديها سمات تغذوية أفضل.
لذلك، لابد من تنويع أنظمة الأغذية الزراعية ونوعية الطعام بزراعة واستهلاك محاصيل أكثر تكيفًا مع المناخ ومغذية في الوقت نفسه مثل الدخن. ففي الواقع، لا يعتبر الدخن مفيدًا للمستهلك فحسب، بل أيضًا للمزارع والبيئة على حد سواء. فأنواع الدخن ليست مجرد أطعمة مغذية، لكنها محاصيل ذكية مناخيًا حيث يساهم زراعتها واستهلاكها في تقليل آثار الزراعة على البيئة.
أصبح الدخن حتى الآن عنصرًا أساسيًا في الطهي التقليدي في الهند وعدد من البلدان الإفريقية، كما أصبح شائعًا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، نظرًا لفوائده الصحية المتنوعة. ولتعزيز هذا المحصول، أعلنت الأمم المتحدة العام 2023 بالسنة الدولية للدخن.
لقد أدرك المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) أهمية وإمكانات المحاصيل المهملة وغير المستغلة في وقت مبكر وأجرى أبحاثًا عنها منذ العام 1999. إذ كان المركز رائدًا في تنفيذ برامج البحث والتطوير على المحاصيل المقاومة للإجهاد والتي تناسب البيئات القاحلة والمتأثرة بالملوحة لأكثر من عقدين من الزمن، حيث حدد واختبر وقدّم المركز مجموعة متنوعة من المحاصيل المقاومة للإجهاد مثل الكينوا والذرة الرفيعة والدخن اللؤلؤي والساليكورنيا في مواقع مختلفة.
لذلك نظم إكبا مؤخرًا يومًا مفتوحًا لشركائه من أجل تقديم بعض نتائج أبحاثه الأخيرة حول الدخن والتوعية بأهميتها للأمن الغذائي والتغذية والتكيف مع تغير المناخ على مستوى العالم. ويأتي تنظيم هذا اليوم المفتوح تماشيًا مع موضوع عام الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة "اليوم من أجل الغد"، واحتفال الدولة باستضافة المؤتمر الثامن والعشرون للأطراف COP28، والسنة الدولية للدخن.
عُقد اليوم المفتوح بتاريخ 21 مارس 2023 حيث يمثل الفعالية الأولى ضمن سلسلة من الندوات والأنشطة العلمية التي ينظمها المركز في العام 2023 تحت شعار "محاصيل الغد المتكيفة مع المناخ".
قالت الدكتورة طريفة الزعابي، المدير العام لإكبا، في كلمتها الترحيبية بالمشاركين: "يمكن للمحاصيل المهملة وغير المستغلة مثل الدخن أن تصبح أكثر من مجرد غذاء صحي في النظم الغذائية المحلية وتكون بمثابة مورد فعال للتكيف مع تغير المناخ. لذلك يسعى إكبا من خلال أبحاثه إلى تعزيز المحاصيل المتكيفة مع المناخ لتحسين أنظمة الأغذية الزراعية واستدامتها في البيئات الهامشية."
وأشار الدكتور راكيش كومار سينغ، مدير برنامج تنويع المحاصيل وتحسينها الوراثي في إكبا: "ركزت الأبحاث السابقة في إكبا في مرحلة مبكرة على الدخن اللؤلؤي، ثم بدأ خبراؤنا في أواخر العام 2020 بتنفيذ دراسات حول حبوب الدخن الصغيرة لأنها تتكيف بشكل أفضل مع الظروف القاحلة والمالحة في ظل تغير المناخ. إذ تتصف هذه الحبوب بميزة مزدوجة فهي أكثر مقاومة للإجهاد كما أنها تحتوي على نسبة أكبر من المغذيات. وننفذ حاليًا تجارب على الدخن اللؤلؤي، والدخن الإصبعي، والدخن الثعلبي، ودخن بروسو عند مستويات ري وملوحة مياه مختلفة".
شارك باليوم المفتوح مسؤولون وخبراء من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة؛ والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة؛ وجامعة زايد للتعرف على منهج "من المزرعة إلى الشوكة" وذلك بالمشاركة في حصاد بعض حبوب الدخن في الحقل، وتذوق أطباق مختلفة مصنعة منه.