كثيرًا ما يسعى المزارعون في جميع أنحاء العالم لحماية أراضيهم ومحاصيلهم من الملوحة، غير أن المزارعين الذين يزرعون "هليون البحر"، المعروف لدى العلماء باسم الساليكورنيا، يرغبون في المياه المالحة. والأفضل من ذلك هو أن نبات الساليكورنيا غير المعروف والمُحب للملوحة ينطوي على إمكانية المساعدة في إطعام الناس والماشية وتزويد المركبات بالوقود والتخفيف من آثار أزمة المناخ. لذلك أدرك خبراء المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) قدراته منذ العقد الماضي وأحرزوا تقدمًا كبيرًا نحو تغيير وضع نبات الساليكورنيا كنوع نباتي مُهمَل وغير مُستغَل.
الساليكورنيا نبات عصاري ملحي - محصول مُحب للملوحة - يُمكن أن ينمو ويزدهر في البيئات الهامشية من خلال الريّ المنتظم فقط بالمياه المالحة. ويُعرف بالعديد من الأسماء، منها الأعشاب الزجاجية (glasswort) والأعشاب الملحية (pickle-weed) وهليون البحر (sea asparagus) والأعشاب المالحة القزمية (dwarf saltwort).
تقول د. ديونيسيا أنجليكي ليرا، خبيرة النباتات الملحية في إكبا: "الساليكورنيا محصول استثنائي ومتعدد الأغراض يزدهر في البيئات شديدة الملوحة، وتتمتع براعمه وبذوره بقيمة اقتصادية وغذائية عالية."
استخدم الناس لقرون من الزمن نبات الساليكورنيا بوصفه غذاء ودواء وعلف ووسيلة لاستصلاح الأراضي القاحلة. فلهذا النبات إمكانات كبيرة من أنه محصول يمكن استخدامه في تغذية البشر والماشية وتحضير الأدوية وإنتاج زيوت الطهي والطاقة الحيوية. ويُمكن أن يؤكل نبات الساليكورنيا طازجًا أو مطهوًا على البخار، كما يمكن عصره لاستخراج زيت الطهي منه، أو طحنه للحصول على وجبة غنية بالبروتين. وقد بينت الدراسات التجريبية أنه يمكن أيضًا تحويله إلى وقود حيوي؛ حيث لا يحتاج إلى المطر أو الأراضي الزراعية الخصبة، على عكس بعض أنواع الوقود الحيوي شائعة الاستخدام.
دأب إكبا وشركاؤه منذ العام 2012 على دراسة إمكانية زراعة الساليكورنيا في الظروف الحارة والجافة والمالحة في البيئات الهامشية. ومن هؤلاء الشركاء على مدار السنوات السابقة جامعة خليفة، وهيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، وهيئة البيئة - أبوظبي، وصندوق خليفة لتطوير المشاريع بالإمارات العربية المتحدة؛ وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية؛ ومركز بحوث الصحراء في مصر؛ والمعهد الأفريقي لبحوث الزراعة المستدامة بالمغرب؛ وجلوبال للصناعات الغذائية؛ ومؤسسات بحثية من نيوزيلندا.
توجد أصناف عديدة من نبات الساليكورنيا، لكن أبحاث إكبا ركزت بشكل خاص على صنف (Salicornia bigelovii) لأنه يتكيّف بشكل جيد في البيئات الحارة والجافة والمالحة وله العديد من الاستخدامات المفيدة. تضيف د. ديونيسيا أنجليكي ليرا بهذا الخصوص: "تمثّلت خطوتنا الأولى في فحص 50 نمطًا وراثيًا من الساليكورنيا المحفوظة في بنك الموارد الوراثية النباتية في إكبا وتحديد أي منها سيكون أكثر ملاءمة للتقييم والبحث في المزارع".
أخذ الباحثون بعضًا من أفضل الأنماط الوراثية أداءً واختبروها في مزارع في إمارة أبوظبي ومحافظة البحر الأحمر في مصر وجنوب المغرب في إطار مشاريع منفصلة. وقد فاز المشروع في إمارة أبوظبي، الذي يضم ثماني مزارع، بجائزة خاصة في العام 2022 من جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي.
كانت هذه الأنماط الوراثية بمثابة نقطة انطلاق لمتخصصي تحسين التنوع النباتي من أجل تحسين المحصول بشكل أكبر، تقول د. ديونيسيا أنجليكي ليرا: "لقد بدأنا برنامج تحسين التنوع النباتي قبل أربع سنوات من أجل تحسين محصول الساليكورنيا، ويتمثل هدفنا في تحسين إنتاجية البراعم الطرفية الطازجة وتقليل دورة النمو وزيادة الكتلة الحيوية ومحصول البذور."
أُجريت أبحاث أخرى لاستكشاف كيفية استجابة نبات الساليكورنيا لمصادر المياه المختلفة مثل المياه الجوفية المالحة والمياه شديدة الملوحة المرتجعة من تحلية المياه والمخلفات السائلة للاستزراع المائي ومياه البحر. وتناول الباحثون أيضًا أساليب الريّ التي عملت بشكل أفضل، وخلصوا إلى أن استجابة الساليكورنيا المرويّ بالفقاعة والتنقيط جاءت أفضل من الريّ بالطرق تحت السطحية.
كما دُمج الساليكورنيا في نظام متكامل للاستزراع المائي الزراعي مع المياه شديدة الملوحة المرتجعة المستخدمة في الزراعة المائية المالحة.
عمِل فريق البحث عن كثب على مدى السنوات الثلاث الماضية مع شركات الأغذية وخبراء الطهي لاستكشاف الجوانب المبتكرة لكيفية استخدام الساليكورنيا بوصف طعام. واستكشف الباحثون تنوعه الكبير في استخدامات الطعام، بدايةً من الأطعمة السائلة والصلبة وصولًا إلى الأطباق الحلوة والمالحة. إضافة إلى أن البراعم الطرفية الطازجة من الساليكورنيا غنية بالألياف والكربوهيدرات والمعادن وفيتامين سي وفيتامين ب 3، في حين أن بذوره تحتوي على جميع الأحماض الأمينية الأساسية التسعة وغنية بالأحماض الدهنية غير المشبعة.
تعاون إكبا مؤخرًا مع شركة جلوبال للصناعات الغذائية في إطلاق برغر الساليكورنيا لبيعها في الأسواق المحلية في الإمارات العربية المتحدة. وتعاون مع أهم الطهاة والشباب والقادة في قطاع الأغذية في فعاليات مختلفة لاستكشاف استخدام الساليكورنيا في المطاعم الفاخرة والمأكولات الراقية.
اختتمت د. ديونيسيا أنجليكي ليرا قائلةً: "إن تجاربنا الأولية في الحقل والمطبخ واعدة وتُشير إلى أنه إذا استخدمت أصناف مختارة بشكل صحيح بجانب تطبيق الممارسات الزراعية المناسبة، يُمكن أن يصبح الساليكورنيا محصولًا مُجديًا اقتصاديًا وناجحًا في الأراضي الهامشية".