يُعتبر نخيل التمر (.Phoenix dactylifera L) أقدم شجرة فاكهة في شبه الجزيرة العربية، كما إنه يمثل عنصرًا رئيسيًا من عناصر نظم الأغذية الزراعية في هذه المنطقة التي تتميز بمناخها القاحل. ونظرًا لكونه من الأشجار الأصيلة، فإنه يُعد جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي المحلي والحياة الاجتماعية والاقتصادية.
ومع ذلك، فإن زراعة نخيل التمر تمثل تحديًا في المنطقة بسبب ندرة المياه وملوحة التربة والمياه وانخفاض خصوبة التربة، وغيرها من العوائق، حيث إن المناخ شديد الجفاف في دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يعني أن التبخر والنتح المرجعي يتجاوز 2000 ملم بينما لا يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي سوى 50 ملم.
وبالإضافة إلى حالات الإجهاد غير الحيوي، فإن إنتاج نخيل التمر مُقيّد بالآفات والأمراض، ولا سيما سوسة النخيل الحمراء (Rhynchophorus ferrugineus)؛ حيث تُقدر الخسائر السنوية في إنتاج نخيل التمر عالميًا بنحو 30 في المائة بسبب الآفات والأمراض، وذلك وفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
إضافة إلى ذلك، تمثل سوسة النخيل الحمراء، على وجه التحديد، أكبر تهديد لإنتاج نخيل التمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغيرها من المناطق، فهي مسؤولة عن تدمير أشجار نخيل التمر التي تبلغ قيمتها أكثر من نصف مليار دولار أمريكي كل عام في دول البحر الأبيض المتوسط، كما إنها تؤثر على ما يقرب من 50 مليون مزارع في جميع أنحاء العالم.
ونظرًا لأن حوالي 90 في المائة من أشجار نخيل التمر في العالم تُزرع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يعتمد فيها العديد من المزارعين بشكل كبير على إنتاج نخيل التمر لكسب عيشهم، فإنه من الضروري تطوير حلول فعالة للتعامل مع حالات الإجهاد الحيوي وغير الحيوي. فمن ناحية، يكون من الضروري تحديد أصناف نخيل التمر الأكثر تحملاً للإجهاد الحيوي وغير الحيوي، ومن ناحية أخرى، ثمة حاجة إلى اتباع نُهُجٍ متكاملة لتوفير المياه وغيرها من المدخلات ومكافحة الآفات والأمراض وضمان إنتاجية أعلى في الظروف البيئية القاسية.
هذا الأساس المنطقي يُوجه أيضًا أبحاث نخيل التمر في المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، حيث أجرى المركز منذ العام 2002 تجارب مختلفة في دولة الإمارات العربية المتحدة لتحديد مدى تأثير الري بالمياه المالحة على نمو نخيل التمر وإنتاجيته وجودة ثماره وتأثير الملوحة على التربة وذلك على المدى الطويل، إذ أجريت التجارب على 18 نوعًا من نخيل التمر من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بما فيها نبتة سلطان وأم الحمام، والتي تبيَّن أنها حساسة جدًا تجاه الملوحة.
كما أجرى الخبراء دراسات لتحديد الاحتياجات الفعلية من الماء اللازم لأشجار نخيل التمر في دولة الإمارات. ونتيجةً لذلك، أصبح المركز يمتلك بيانات عن إنتاجية المياه والتي تساعد في تقليل الري في الظروف المحلية بنسبة تصل إلى 50 في المائة. وعلاوة على ذلك، اختبر المركز العديد من تقنيات توفير المياه، من بينها الهلاميات المائية وأنظمة الري تحت السطحي، حيث تُظهر النتائج أن هذه التقنيات تساعد على تحقيق وفورات في المياه بنسبة تتراوح من 25 إلى 82 في المائة دون ظهور أي تأثير سلبي على المحاصيل.
وفي إطار هذا البرنامج البحثي، يُقيِّم إكبا أيضًا مدى فعالية التقنيات المختلفة لمكافحة سوسة النخيل الحمراء، بما فيها مصائد الفرمون والمصائد التقليدية والمعالجة الكيميائية والمعالجة العضوية الصديقة للبيئة والأجهزة الإلكترونية. وفي الآونة الأخيرة، بدأ إكبا ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في التعاون مع علماء في البرازيل وكولومبيا وألمانيا لتقييم مدى جدوى إدخال أحد عوامل المكافحة البيولوجية المستخدمة في أمريكا الجنوبية لمكافحة سوسة النخيل الحمراء في شبه الجزيرة العربية.
هذا العمل البحثي يتضمن أيضًا اختبار أحد نُظم إنترنت الأشياء وتنفيذه وجمع البيانات المستندة إلى صور الطائرات بدون طيار والمدمجة في منصة تحليل الذكاء الاصطناعي القائمة على نظم المعلومات الجغرافية لمراقبة زراعة نخيل التمر (حلول الإدارة الذكية للنخيل).
ونظرًا لأن إنتاج نخيل التمر في المنطقة يواجه مجموعة من التحديات، فمن المهم تطوير حلول متكاملة لإدارة نخيل التمر. ويهدف برنامج إكبا البحثي الخاص بنخيل التمر إلى تلبية الحاجة إلى هذه الحلول ودعم جهود المؤسسات الأخرى لتحسين سبل عيش منتجي نخيل التمر داخل المنطقة وخارجها.