الأعشاب الملحية سبيل لمعالجة مشكلة الملوحة وتعزيز إنتاج الأعلاف في دولة الإمارات العربية المتحدة

  • ولعل من الطرق المؤكدة والمبشرة إلى حدّ كبير هو زراعة نباتات ملحية أو النباتات المحبة للملوحة. إذ تشير دراسة إستمرت لمدة ثلاث سنوات أجراها فريق من علماء إكبا، ونشرت مؤخراً في مجلة "علم المحاصيل والمراعي" إلى أن الأعشاب الملحية على سبيل المثال قد تكون خياراً جيداً لإنتاج الأعلاف وإعادة تأهيل الأراضي المتأثرة بالملوحة في دولة الإمارات العربية المتحدة. أضف إلى ذلك أنها تنتج غلالاً تفوق ما تنتجه الأعشاب التقليدية مثل عشبة رودوس (Chloris gayana).
    ولعل من الطرق المؤكدة والمبشرة إلى حدّ كبير هو زراعة نباتات ملحية أو النباتات المحبة للملوحة. إذ تشير دراسة إستمرت لمدة ثلاث سنوات أجراها فريق من علماء إكبا، ونشرت مؤخراً في مجلة "علم المحاصيل والمراعي" إلى أن الأعشاب الملحية على سبيل المثال قد تكون خياراً جيداً لإنتاج الأعلاف وإعادة تأهيل الأراضي المتأثرة بالملوحة في دولة الإمارات العربية المتحدة. أضف إلى ذلك أنها تنتج غلالاً تفوق ما تنتجه الأعشاب التقليدية مثل عشبة رودوس (Chloris gayana).
26 يوليو 2018

تشكل ملوحة التربة والمياه مشكلة جسيمة في كثير من بقاع دولة الإمارات العربية المتحدة من حيث جهود التحلية الهائلة واستخدامها في القطاع الزراعي، فضلاً عن تعدي مياه البحر على خزانات المياه الجوفية. الأمر الذي يدفع ثلة من المزارعين إلى هجر أراضيهم المتدهورة بفعل الملوحة إثر إخفاق محاصيلهم التقليدية. وتنطوي المشكلة أيضاً على تحديات تقف أمام الجهود الوطنية الرامية إلى تحسين مستوى الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق الإنتاج المحلي.

ومقابل هذه الحقائق ثمة زيادة مرتقبة في الطلب على المياه العذبة والأغذية كنتيجة طبيعية للتحضر والنمو السكاني. ووفقاً لتقرير الصناعات الغذائية لعام 2017، سيؤدي النمو السكاني إلى جانب تزايد أعداد السياح وتحسن الدخل إلى زيادة كمية استهلاك الأغذية في البلد إلى 59.2 مليون طن سنوياً بحلول عام 2025. فعلى سبيل المثال، من المتوقع وصول استهلاك الفرد من اللحوم إلى 79 كغ عام 2019، ليضع دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة السابعة عالمياً، قبل أيرلندا وأوقيانوسيا وأستراليا.

وكسبيل من سبل مواجهة هذه التحديات المتعددة، يعمل المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) بالتعاون مع شركاء محليين على وضع الدراسات اللازمة وتصميم المشاريع التي تسعى إلى إعادة تأهيل المناطق المتأثرة بالملوحة والاستفادة من موارد التربة والمياه المالحة في إنتاج الأغذية والأعلاف.

ولعل من الطرق المؤكدة والمبشرة إلى حدّ كبير هو زراعة نباتات ملحية أو النباتات المحبة للملوحة. إذ تشير دراسة إستمرت لمدة ثلاث سنوات أجراها فريق من علماء إكبا، ونشرت مؤخراً في مجلة "علم المحاصيل والمراعي" إلى أن الأعشاب الملحية على سبيل المثال قد تكون خياراً جيداً لإنتاج الأعلاف وإعادة تأهيل الأراضي المتأثرة بالملوحة في دولة الإمارات العربية المتحدة. أضف إلى ذلك أنها تنتج غلالاً تفوق ما تنتجه الأعشاب التقليدية مثل عشبة رودوس (Chloris gayana).

وللتعرف على مستوى جودة إنتاجية الأعشاب الملحية ضمن الظروف المتطرفة، أجرى العلماء تجارب واسعة في ثلاث مزارع مهجورة ومتدهورة بفعل الملوحة في مزيرع ومدينة زايد وغياثي بإمارة أبوظبي. فعند زراعة هذه الأعشاب في السنة الأولى من الدراسة، كان مستوى ملوحة المياه في المزارع يتراوح من 14.1 على 17.4 ديسيسيمنز/المتر. واختبر الفريق أربعة أنواع من الأعشاب الملحية العلفية المعمرة كعشبة Distichlis spicate) و Paspalum      vaginatum و  Sporobolus virginicusو (S. arabicusمن حيث غلالها وإنتاجيتها المائية. أما معدل إنتاج هذه الأعشاب من الكتلة الحيوية، والتي تم حصادها ثلاث مرات في العام، فتتراوح بين 32.64 و40.68 طن في الهكتار. كما سجل الفريق أيضاً معدل الغلال من حيث الإنتاجية المائية والذي تراوح من 1.68 إلى 2.42 كغ مادة جافة في المتر المكعب من الماء، وهي إنتاجية أفضل بأشواط قياساً بالغلال الواردة في التقارير السابقة لعشبة رودوس ضمن ظروف ملوحة أقل.

وتظهر النتائج أن هذه الأعشاب تشكل بدائل ممتازة تمكـّن من إنتاج مستدام من الأعلاف في المناطق المتأثرة بالملوحة في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما أنها تؤكد ما جاء في البحوث السابقة بخصوص المنافع الاقتصادية والبيئية لاستخدام هذه الأعشاب ضمن نظم الإنتاج المتكامل للأعلاف والحيوانات، لاسيما في بيئات هامشية تتسم بموارد تربة ومياه متدنية النوعية.

وفي هذا المقام، يشرح الدكتور خليل عمار، عالم أول مختص في الهيدرولوجيا وإدارة موارد المياه لدى إكبا، قائلاً: "إن هذه [الأعشاب] تمثل جانباً من الحلول المستدامة والغير مكلفة. فهي تساعد على تحسين حالة المزرعة. ما يعني أننا نقدم حلاً أفضل يلائم احتياجات هذه المزارع."

لا شك أن هذه النتائج مشجعة لأسباب عديدة. أولأً، ونظراً لأن المياه العذبة تزداد شحاً في هذا البلد وكذلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل، فإنه يتعين على المزارعين إيجاد أنماط بديلة من المياه المخصصة للري بما في ذلك المياه المالحة والمياه الأجاج الناتجة عن التحلية وكذلك المياه العادمة. ومن خلال حسابات بسيطة، نرى أن الزراعة مسؤولة عن استجرار ما يربو على 80 في المائة من المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مع ذلك، تعجز جلّ بلدان المنطقة عن الإيفاء بالاحتياجات المائية على نحو مستدام. ولعل ما يشكل مصدر قلق أكبر هو تراجع كمية المياه المتوافرة للفرد إلى النصف في المنطقة بحلول عام 2050.

كما يعلق الدكتور خليل عمار: "نظراً لأننا نعيش في بلد يتسم بندرة المياه، فإن توفير هذا المورد يحمل أهمية بالغة. ولعله ليس من السهولة أحياناً إيجاد حل يأتي بكثير من المنافع المتزامنة، إلا أنه علينا مواصلة السعي لإيجاد محاصيل وأعلاف وأصناف عشبية جديدة نظراً لما تتحلى به من استدامة الإنتاجية الزراعية في دولة الإمارات العربية المتحدة."

ثانياً، تؤدي تحلية المياه واستخراج المياه الجوفية بطريقة غير مستدامة إلى تردي حالة ملوحة التربة والمياه. فالتملح مسألة خطيرة تعيشها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووفقاً لما جاء في تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة عام 2015 نرى أن 11.2 في المائة من تربة المنطقة متأثرة بمستويات متباينة من تملح التربة. أما مدى ملوحة التربة فيتباين من بلد لآخر، إذ يتراوح من 10-15 في المائة في الجزائر، بينما يصل حتى 50 في المائة في العراق. أما في الإمارات العربية المتحدة فتصل نسبة المساحة المتملحة إلى 33.6 في المائة.

ثالثاً، غالباً ما يُنظر إلى موارد التربة والمياه المالحة على أنها عديمة القيمة أو ذات قيمة متدنية. وكونها تشكل جزءاً كبيراً من مجموع الموارد الطبيعية المتاحة، فإن استخدامها والاستفادة منها يعد مسألة منطقية. وهنا يتعين على إنتاج الحيوانات أن يواكب النمو المتوقع في الطلب على اللحوم، ما يعني الحاجة إلى مزيد من إنتاج الأعلاف. وهنا ستؤدي الأعشاب الملحية عملها لتلبية هذه الحاجة في المناطق الهامشية.

ويشير العلماء إلى لزوم إجراء المزيد من الأبحاث قبل تبني المزارعين لهذه الأعشاب على نطاق واسع في دولة الإمارات العربية المتحدة أو في غيرها من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تحليل النوعية التغذوية والتركيبة الكيميائية لهذه الأعشاب إلى تعزيز مكانتها فضلاً عن تشجيع زراعتها. دراسة تبين أن هناك بعض الطرق الغير ملحوظة التي يمكن من خلالها تحقيق أهداف الأمن الغذائي، لعل الجانب الأكثر أهمية منها أنها طرق تتسم باستدامتها وجدواها الاقتصادية.