يوم الأغذية العالمي: الكينوا، بارقة أمل تلوح في أفق البيئات الهامشية تحقيقاً للأمن الغذائي

  • يوم الأغذية العالمي: الكينوا، بارقة أمل تلوح في أفق البيئات الهامشية تحقيقاً للأمن الغذائي
    يوم الأغذية العالمي: الكينوا، بارقة أمل تلوح في أفق البيئات الهامشية تحقيقاً للأمن الغذائي
16 أكتوبر 2016

يمثل يوم الأغذية العالمي، الذي يـُحتفل به في السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول باعتباره يوم تأسيس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، حركة على المستوى العالمي ترمي إلى القضاء على الجوع. ولعل انعدام الأمن الغذائي، الذي يعيشه قرابة 795 مليون شخص حول العالم، ينطوي على مخاطر ترتبط بالصحة والحياة وحتى الاستقرار الإقليمي. فإلى جانب الاحتفال بهذا اليوم، يوفر يوم الأغذية العالمي منصة للحوار الذين يتناول أسباب انعدام الأمن الغذائي والحلول للتملص من براثنه. ولعل إجهاد القطاع الزراعي يندرج بين العوامل التي تسهم في انعدام الأمن الغذائي وذلك بفعل توليفة من التغيرات في أنماط الطقس والزيادة السكانية، ناهيك عن ارتفاع مستوى التحضر. ونتيجة لتنامي المخاوف المرتبطة بالتغير المناخي، جاء موضوع يوم الأغذية العالمي لعام 2016 تحت عنوان "المناخ يتغير، وعلى الأغذية والزراعة أن تشهد تغيرات أيضاً"، لاسيما في الوقت المناسب.

لقد تأثرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهذه النواحي بصفة خاصة. إذ شهدت نمواً هائلاً في عدد السكان ومعدلات التحضر، حيث يعيش قرابة نصف سكان المنطقة في المدن. كما تواجه الزراعة فيها معوقات ناجمة عن التغير السكاني، فضلاً عن افتقارها إلى الأراضي الصالحة للزراعة ومحدودية الأمطار وكذلك ارتفاع درجات الحرارة وملوحة التربة، حيث سيؤدي التغير المناخي إلى تفاقم الحالات آنفة الذكر. ووفقاً للهيئة الحكومية الدولية للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، من المتوقع أن تمسي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات درجات حرارة أعلى وجفاف أشد. وبحلول عام 2025، سيواجه قرابة 80 - 100 مليون شخص إجهاداً مائياً، وهي حالة يتجاوز فيها الطلب على المياه الكمية المتوافرة من هذا المورد.

ولعل الكينوا، ذلك المحصول الأشبه بالمحاصيل الحبية، يمثل حلاً لتلك المشكلات المتفاقمة والتي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واليوم، ومع احتلال مسألة الغذاء الصدارة عالمياً، سجل إنتاج الكينوا زيادة كبيرة على نحو مطرد، إذ تجاوز إنتاج عام 2014 من حبوب المحصول 192,000 طن. وبينما تمثل الولايات المتحدة المستورد الرئيس لهذا المحصول،  هنالك بلدان متقدمة أخرى تهتم بهذا الغذاء بما في ذلك كندا وفرنسا، اللتان تمثلان ثاني وثالث أكبر مستورد للمحصول على التوالي. وجرى تحديد عامٍ للكينوا حيث أعلنت منظمة الأغذية والزراعة عام 2013 العام الدولي للكينوا.

لقد عملت المنافع الصحية لمحصول الكينوا على جعله غذاءاً أساسياً يقدم في المطاعم العصرية، فضلاً عن إضافته على قائمة السلع لدى البقاليات حول العالم. ويعتبر هذا المحصولغذاءاً خارقاً، إذ يُعرف الكينوا بغناه بالبروتين والألياف، فضلاً عن احتوائه على الليسين، وهو حمض أميني أساسي لنمو النسج وترميمها. ولعل هذه الأسباب، إلى جانب القدرة الكبيرة للكينوا على التكيف بطبيعته، جعلته يحظى باهتمام لدى مجتمع التنمية الزراعية. إذ يمكن أن ينمو الكينوا ضمن مستويات متفاوتة من درجات الحرارة والارتفاعات والرطوبة، ما يجعله مثالياً للمناطق القاحلة في العالم. وهنالك توجه متصاعد نحو زراعة أصناف جديدة للحبوب والاعتماد عليها، ما خلا محاصيل الحبوب الأساسية من قبيل القمح والأرز والشعير والذرة، حيث تحظى هذه الأصناف الجديدة باهتمام متزايد في ضوء التغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي.

بيد أن زراعة الكينوا لا تخلو من التحديات. فهذا المحصول الضارب في القدم، والذي يعود بأصله إلى منطقة الأنديز في أمريكا الجنوبية، ويعتقد أنه استؤنس قبل 3000-4000 سنة خلت، لم يـُزرع على نطاق واسع خارج بيئته الأصلية. إذ لا يقتصر الأمر على محدودية المعرفة حيال كيفية زراعة المحصول وإدارته خارج الأنديز فحسب، بل هنالك افتقار إلى التوعية بخصوص المنافع التغذوية لحبوبه والقنوات التي تمكن المزارعين من بيع منتجاتهم عبرها.

يشرح الدكتور ناندوري راو، خبير الموارد الوراثية النباتية، عن وجود تحديات تلوح في الأفق أمام تبني الكينوا على نطاق واسع، قائلاً: "لا يزال علينا التغلب على المعوقات وقضايا إدخال [الكينوا] بنجاح وتوسيع نطاق زراعته ضمن بيئات جديدة غير تقليدية."

غير أن الباحثين يعملون على زراعة المحصول وجعله مجدياً كخيار غذائي لسكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسكان مناطق أخرى. ومنذ عام 2007، يقود المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا)، بالتعاون مع مؤسسات بحثية وجهات مانحة وحكومات، برنامجاً عالمياً للكينوا، حيث ينفذ المركز أنشطة بحثية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق في آسيا الوسطى. وبالتعاون مع شركائه، عمل إكبا على تحديد أصناف مرتفعة الغلة تتسم بتحمل الملوحة والحرارة على السواء، حيث يتوافر اليوم أربعة أصناف جاهزة للاعتماد والزراعة. ويعمل إكبا أيضاً على فتح باب الحوار المتعلق بقضايا زراعة المحصول على نطاق واسع.

وكجانب من جهود إكبا لرفع مستوى التوعية، ينظم المركز مؤتمراً دولياً بعنوان "الكينوا كمحصول مستقبلي لتحقيق الأمن الغذائي في البيئات الهامشية" بالتعاون مع وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات العربية المتحدة، ومنظمة الأغذية والزراعة، وجامعة زايد، والبنك الإسلامي للتنمية، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. ويسعى هذا المؤتمر، المزمع انعقاده في دبي بالإمارات العربية المتحدة خلال الفترة 6-8 ديسمبر/كانون الأول، إلى توفير منصة تتيح إجراء حوارات حول امكانية المحصول على توفير إنتاج زراعي مستدام في البيئات الهامشية.

يتطلع أن يتمكن هذا المؤتمر من شحذ زخم البحوث حول الكينوا وتنمية هذا المحصول والإسهام في إيجاد حلول أنجع لمشكلة انعدام الأمن الغذائي، ناهيك عن تذليل مختلف التحديات الأخرى القابعة أمام البيئات الهامشية حول العالم.