يمزج السيد ديفيد كبوغبه، وهو مزارع من غراند باسا (Grand Bassa) في ليبيريا، حفنة من مادة سوداء خشنة في التربة ويوضح قائلًا: "هذه هي طريقة استخدام الفحم الحيوي، فنظرًا لكثرة الأمطار في ليبيريا وطبيعة التربة الرملية، فإن استخدام الفحم الحيوي يعزّز بنية التربة وقدرتها على احتجاز الماء والعناصر الغذائية مما يحسّن نمو النباتات".
يتلقى المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة مثل ديفيد وغيره، في سبع بلدان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تدريبًا حول صنع واستخدام الفحم الحيوي. يُقدّم مشروع "تحسين التكيّف مع الملوحة من خلال تطوير وتعزيز التقنيات لصالح الفقراء" (RESADE)، الذي يُنفذه المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) سلسلةً من المدارس الحقليّة لمساعدة المزارعين على فهم دور الفحم الحيويّ في زيادة قيمة منتجاتهم، وتعلُّم طرق تصنيعه واستخدامه.
يشير الدكتور أحمد النجّار، الخبير في إدارة التربة في إكبا: "إنّ الفحم الحيويّ مادّةٌ غنيّةٌ بالكربون، ويمكن استخدامها كمُحسّنٍ ووسيلة لاحتجاز محتوى التربة من الكربون العضويّ. فمع تدهور واقع التربة في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نتيجة فقدان المغذيات والمواد العضوية، وارتفاع مستوى الملوحة، والجفاف، والتصحر، فإنه يجب علينا تطوير ممارسات إدارة مستدامة تُسهم في المحافظة على الموارد المائية، وتحسين خصائص التربة، ومنع فقدان المواد المغذية".
أصبح لدى المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة الآن طريقة مستدامة لتعزيز صحة التربة باستخدام الفحم الحيوي، الذي يمكنهم إنتاجه من نفايات المزارع والكتلة الحيوية المتاحة محليًا من خلال تحفيز عملية التحلل الحراري، التي تسخن الكتلة الحيوية في بيئة محدودة الأكسجين مُصنّعة من وحدات بسيطة وبأسعار معقولة. تُحوّل هذه الطريقة المواد العضوية إلى شكل ثابت من الكربون المقاوم للتحلل.
يُضيف الدكتور أحمد النجار: "يعمل الفحم الحيوي كمستودع للكربون، حيث يفصل الكربون عن المواد النباتية المتحللة، ويُسهم بشكل كبير في التخفيف من آثار التغير المناخي تغير المناخ. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدامه كمحسّن للتربة يمثل تطورًا كبيرًا في هذا المجال؛ حيث يحمي التربة من التدهور ويثريها من خلال تعزيز احتباس العناصر الغذائية والمياه، وهي عوامل أساسية للنمو الصحي للمحاصيل".
تُعتبر مدارس المزارعين الحقلية حول الفحم الحيوي أحد أنشطة مشروع يمتد على مدار خمس سنوات حول "تحسين التكيف مع الملوحة من خلال تطوير وتعزيز التقنيات لصالح الفقراء" (RESADE)، يتعاون من خلاله إكبا مع الأنظمة الوطنية للبحوث الزراعية في بوتسوانا وغامبيا وليبيريا وموزمبيق وناميبيا وسيراليون وتوغو، لزيادة الإنتاج، وتحسين الإنتاجية الزراعية، وزيادة دخل المجتمعات الزراعية وخاصة النساء في المناطق الزراعية المتأثرة بالملوحة. يُنفَّذ المشروع بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA).
تعاني التربة في العديد من مناطق غرب وجنوب إفريقيا من فقدان الكربون وخشونتها، مما يؤدي إلى فقدان المياه والمغذيات نتيجة التسرب. وهذا يشكل تحديًا كبيرًا في مجال الزراعة، خاصةً في ظروف الري المتكرر للري أو زيادة معدلات التساقط المطري، والتي تتفاقم فيها مشكلات تسرب المغذيات وتلوث المياه الجوفية. ويستلزم الطقس الحار في المنطقة، إلى جانب الأمطار المتقطعة، تطبيق أساليب تحافظ على الماء وتعزز خصائص التربة وتحد من فقدان العناصر الغذائية.
يؤكد الدكتور أحمد النجّار: "أظهرت أبحاثنا زيادةً كبيرةً في الكتلة الحيوية لمحاصيل عند استخدام الفحم الحيويّ في التربة الرملية. وفي دراسةٍ حديثةٍ أُجريَت في محطة أبحاث إكبا، لاحظنا زيادةً ملحوظةً تتراوح بين 23 إلى 35% في إنتاجية محصول البرسيم مقارنة بمجموعة المُقارَنَة، نتيجة دمج الفحم الحيوي في التربة."
تبينت فوائد تطبيق الفحم الحيوي في تقليل التأثيرات السلبية على الإنتاجية التي ترافق الري بمياه مالحة. وأوضح الدكتور أحمد النجّار قائلًا: "يرتبط تحسين تحمُّل النبات للملوحة بتعزيز الخصائص الفيزيائية والكيميائية للتربة بواسطة الفحم الحيوي".
علاوةً على ذلك، تُشير الدراسات في المركز الدولي للزراعة الملحية إلى دور الفحم الحيوي في زيادة توافر المياه في التربة. يُوضح الدكتور أحمد النجار: "تُشير نتائج بحوثنا إلى أن تطبيق الفحم الحيوي بمعدلات من 20 إلى 30 طنًا لكل هكتار يمكن أن يزيد من محتوى التربة من المياه المتاحة بنسبة من 16% إلى 40% على التوالي، مقارنة بالتربة غير المعالجة. وهذا التحسن الكبير في احتباس رطوبة التربة سيساعد المزارعين على تحسين استهلاك المياه، خاصة في المناطق التي تواجه ندرة في المياه."
أجرى المشروع دراسةً تشير إلى أنّ الفحم الحيويّ معدّلٌ فعّالٌ للتربة في مختلف البلدان مثل توغو وسيراليون. يقول الدكتور زياد همامي الخبير الزراعي في إكبا وأحد أعضاء المشروع: "لقد ثبت أنّ الفحم الحيويّ يُعزّز نمو المحاصيل ويُسرّع في عمليّة نضجها ويزيد إنتاجيّة الحبوب والكتلة الحيويّة في بلدان المشروع. إذ لوحِظَ، خلال فترات الجفاف في غامبيا، أنّ استخدام الفحم الحيويّ يزيد بشكل ملحوظ معدلات إنبات الذرة الرفيعة بنسبة 25 في المئة والدخن بنسبة 62.5 في المئة عند الريّ بالمياه المالحة."
تبنّى مزارعو البلدان السبع التي يعمل فيها المشروع هذه التقنية. وأصبح مزارعون مثل ديفيد روادًا في استخدام الفحم الحيوي يشاركون تجاربهم في هذا المجال مع الآخرين، على أمل أن تستعيد التربة في بلادهم خصوبتها.