لطالما أحبّت عائلة السيدة إميفا أهاتيفو، إحدى المزارعات في قرية "آتي أبيدوكوي" (Atti-Apédokoè) في توغو، تناول الكسكس. فطوال عقود طويلة، استمرت عائلات هذه القرية في استهلاك الكسكس المصنوع من القمح، وظلّ هذا الطعام يشكل جزءًا أساسيًا من نظامهم الغذائي إلى الآن.
ولكن في الوقت الحالي، ساهمت بعض العوامل مثل أزمة ظهور وباء كوفيد-19، وارتفاع تكلفة استيراد المواد الغذائية، وتغير المناخ في تفاقم بعض التحديات. وفي ظل هذه الظروف، يكافح المزارعون، مثل إميفا، من أجل زراعة ما يكفي من المحاصيل لتلبية احتياجاتهم. لكن إميفا وغيرها من سكان قرية "آتي أبيدوكوي" تعلموا مؤخرًا أن بإمكانهم صنع الكسكس من الذرة الرفيعة، وهو محصول يمكنهم زراعته في حقولهم. ويعتبر هذا الخيار مثاليًا، حيث إن الذرة الرفيعة أكثر مقاومة لتغير المناخ وتقلبات السوق مقارنة بالمحاصيل الأخرى.
تقع قرية "آتي أبيدوكوي" على بعد ما يزيد قليلًا عن الساعة بالسيارة من العاصمة التوغولية لومي. وتعتمد القرية بشكل أساسي على الزراعة لتلبية الاحتياجات الأساسية من الأرز والذرة والخضروات إلى جانب تربية الماشية.
قالت الدكتورة شانتال جوتو، مديرة مختبرات المعهد التوغولي للبحوث الزراعية: "تراجعت إنتاجية الأرز والذرة في قرية "آتي أبيدوكوي" بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية بسبب تغير المناخ وغيرها من العوامل. وقد أظهرت دراساتنا ارتفاع مستويات الملوحة في التربة كما توضح بيانات الطقس فترات أطول من الجفاف".
وفي إطار مشروع يمتد على مدار خمس سنوات بعنوان "تحسين التكيف مع الملوحة من خلال تطوير وتعزيز التقنيات لصالح الفقراء"(RESADE)، يتعاون المركز الدولي للزراعة الملحية "إكبا" مع الأنظمة الوطنية للبحوث الزراعية في كل من بوتسوانا وغامبيا وليبيريا وموزمبيق وناميبيا وسيراليون وتوغو، لزيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية الزراعية وزيادة دخل المجتمعات الزراعية وخاصة النساء في المناطق الزراعية المتأثرة بالملوحة. ويُنفَّذ المشروع بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (BADEA).
قال الدكتور نهامو نهامو، خبير زراعي أول في إكبا وعضو فريق عمل (RESADE)، "يُقدّم المشروع العديد من الحلول لمواجهة التحديات التي تواجه السكان في قرية "آتي أبيدوكوي". نحن نقدّم أنواعًا محسَّنة من المحاصيل التي تُزرَع حاليًا مثل الأرز إلى جانب محاصيل جديدة أكثر مرونة تجاه تغير المناخ، مثل الذرة الرفيعة".
حتى الآن، لم يزرع سكان قرية "آتي أبيدوكوي" الذرة الرفيعة، ومع ذلك، أظهرت التجارب التي أجراها مشروع RESADE نتائج مبشرة في المنطقة. يُشار إلى الذرة الرفيعة غالبًا باسم "جمل المحاصيل"، وهي تمثل أعجوبة فسيولوجية، حيث تُعتبر من بين أقوى الحبوب ويمكن أن تتحمل البيئات الهامشية الحارة مع الحد الأدنى من الماء.
والذرة الرفيعة من أقدم الحبوب في العالم. وقد عُرِفت للمرة الأولى في إقليم شمال شرق أفريقيا أو ما يعرف حاليًا بأثيوبيا والسودان، ولكنها تُزرع حاليًا في جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية. الذرة الرفيعة محصول متعدد الاستخدامات حيث يُستخدم غذاء للإنسان وعلف للحيوانات، كما يُخمَّر لصنع البيرة، ويُطحن إلى دقيق لاستخدامه في المنتجات الغذائية الأخرى.
كما تُزرع الذرة الرفيعة كمحصول علفي وتُحوّل إلى سيلاج، وتُنتج الأوراق والسيقان وقودًا حيويًا.
ويُستخدم دقيق الذرة الرفيعة أيضًا في صنع الكسكس، وقد حرصت إميفا وزملاؤها المزارعون على تعلم كيفية إعداده.
نظم فريق مشروع RESADE في توغو دورتين تدريبيتين لتعريف أعضاء ثلاث تعاونيات بالذرة الرفيعة ولتوضيح كيفية استخدامها في صنع الكسكس. يهدف التدريب إلى مساعدة المزارعين على زيادة قيمة منتجاتهم، وتحسين قيمتها الغذائية، وإيجاد طرق لمعالجة الأغذية التي قد تضيع في بعض الأحيان خلال مواسم الحصاد الوفير.
أُعجبت إميفا وجارتها أديجو أكانا بما شاهدتاه خلال الدورة التدريبية التي قدمها فريق مشروع RESADE وبدأتا في صنع الكسكس الخاص بهما من الذرة الرفيعة. قالت إميفا: "الذرة الرفيعة محصول جديد بالنسبة لنا، لكن بعد أن أدخلناها في صناعة الكسكس، وجدنا أنه يمكن أن يكون بديلًا جيدًا للقمح كما يمكن أن يساعدنا في زيادة دخل الأسرة. إننا نتطلع لاستلام البذور من مشروع RESADE وزراعته في حقولنا".
إميفا وغيرها من العائلات في قرية آتي أبيدوكوي يحبون تناول الكسكس، ويدركون الآن أن لديهم محصول بديل يمكنهم الاعتماد عليه في مواجهة تحديات التغير المناخي.
فيديوهات RESADE في توغو