من المُسلَّم به أن الزراعة هي المُحرِّك الرئيسي للنمو في المجتمعات الريفية في شتى أرجاء العالم، وأن المرأة هي العمود الفقري للأسر الريفية. وفي حين أن النساء غالبًا ما يكدحن في المنزل وفي المزرعة لتلبية احتياجات أسرهن، فإنهن لا يتمتعن عادةً بجميع ثِمار عملهن.
وعلى الرغم من أنهن يشاركن في عمل مدفوع الأجر - إلى حدّ أنهن يشكّلن، في المتوسط، أكثر من 40 في المائة من القوى العاملة الزراعية في البلدان النامية، وما يتراوح من 20 في المائة في أمريكا اللاتينية إلى 50 في المائة أو أكثر في أجزاء من أفريقيا وآسيا - إلا أنهن لا يتقاضين أجرًا لقاء معظم أعمالهن. وتغطي هذه المسؤوليات مجموعة كبيرة من الأعمال المنزلية والزراعية، بما في ذلك تربية المحاصيل وإعداد الطعام ورعي الماشية وجلب المياه ورعاية الأطفال وإدارة شؤون الأسرة. كما أنه من المرجح أيضًا أن تشارك النساء في العمل غير مدفوع الأجر والعمل الموسمي والعمل بدوام جزئي، وغالبًا ما يتقاضين أجورًا أقل مقابل عملهن مقارنةً بالرجال.
وسواءً كنّ يؤدين عملًا مدفوع أو غير مدفوع الأجر، فإن إسهامات النساء ذات أهمية حاسمة لمجتمعاتهن. ومع ذلك، فهن يواجهن عقبات في الوصول إلى سبل التنمية الزراعية مثل التدريب والمدخلات الزراعية والأراضي. وهذه الحواجز لا تمنع النساء من بلوغ كامل إمكاناتهن فحسب، لكنها تكلف مجتمعاتهن المحلية الكثير أيضًا. فوفقًا لتصريحات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإنه إذا أتيحت للنساء نفس فرص الحصول على الموارد مثل الرجال، يمكن أن يزيد الإنتاج الزراعي بنسبة تصل إلى 20-30 في المائة، مع إمكانية الحد من انعدام الأمن الغذائي لحوالي 100-150 مليون شخص على مستوى العالم.
تعاني النساء أيضًا من انعدام الأمن الغذائي بمستويات أعلى من غيرهن، ففي العام 2020، ارتفع عدد الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الحصول على الغذاء الكافي بنحو 20 في المائة، ليصل عددهم إلى أكثر من 2.3 مليار شخص، ومن المؤسف أن معظمهم من النساء الريفيات.
ومن الجليّ أنه من المستحيل القضاء على الفقر المدقع والجوع دون تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة الريفية في المقام الأول.
وهذا ما يهدف إليه اليوم الدولي للمرأة الريفية – الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2007 ويُحتفل به كل عام في 15 أكتوبر لتعزيز الوعي في هذا المجال. إذ لا يقتصر هذا اليوم على الإقرار بالدور الحيوي للمرأة الريفية في إدارة شؤون الأسرة وإسهاماتها التي لا تُقدّر بثمن لأسرهن ومجتمعاتهن، لكنه يُعزّز أيضًا من الجهود العالمية لدعم المرأة الريفية. وينعكس هذا أيضًا في موضوع هذا العام "النساء الريفيات يزرعن غذاءً جيدًا للجميع".
لطالما وضع المركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا) المرأة الريفية في صميم جهوده البحثية من أجل التنمية في مناطق مختلفة. وعلى مدى العقدين الماضيين، قدّم المركز الدعم للمرأة الريفية عبر مجموعة متنوعة من المشروعات ومبادرات تنمية القدرات، مع تزويدهن بالأدوات والمهارات اللازمة لزراعة محاصيل قادرة على التكيف وتحسين سبل معيشتهن.
يتمثل أحد الأمثلة على ذلك في مشروع الكينوا الكبير الأخير في المغرب. فقد ساهم المشروع في تعزيز سلاسل القيمة لنبات الكينوا ودعم مجموعات النساء الريفيات مثل تعاونية الألفية الثالثة في تحويل الكينوا إلى منتجات ذات قيمة مضافة، حيث توظف التعاونية 30 امرأة من القرى المجاورة وتنتج وتسوّق وتبيع مجموعة متنوعة من المنتجات ذات القيمة المضافة مثل الكسكس.
ساعد مشروع مماثل في مصر في الأعوام 2015-2018 المجتمعات الريفية، ولا سيما النساء، في زراعة محاصيل مقاومة للملوحة مثل الكينوا والساليكورنيا. كما شجع المشروع النساء على استخدام الكينوا في الأطباق التقليدية. إضافة إلى ذلك، تم تدريب مئات النساء الريفيات على إنتاج ومعالجة الأغذية والأعلاف من هذه المحاصيل المقاومة للملوحة.
وفي إطار مشروع آخر في مصر خلال الأعوام 2010-2015، تم تزويد حوالي 45 امرأة ريفية بمعدات تصنيع مشتقات الحليب وتدريبهن على صنع اللبن والجبن وغيرها من منتجات الألبان. وعلى مدار المشروع، حضر 670 مزارعًا دورات تدريبية مختلفة واستفاد أكثر من 5000 مزارع، من بينهن النساء، من فعاليات تنمية القدرات مثل الأيام الحقلية.
وفي إطار مشروع حديث، عمل إكبا مع المجتمعات الريفية في مصر لتعزيز ريادة الأعمال الزراعية من خلال زراعة المحاصيل التي لها القدرة على التكيُّف مع المناخ، وتم طرح حوالي 30 وصفة طعام تعتمد على نبات الكينوا وخمسة وصفات تعتمد على الساليكورنيا وعرضها خلال مختلف فعاليات المشروع. كما نظم المركز خلال الفترة من فبراير إلى أبريل 2021 سلسلة من الدورات التدريبية عبر الإنترنت استفاد منها حوالي 500 مشارك من 49 دولة، من بينهم 30% من النساء.
تُشكّل هذه المشاريع وغيرها جزءًا من هدف إكبا الشامل الذي يتمثل في تمكين النساء من النمو وكسب المزيد لأنفسهن وأسرهن. ففي نهاية المطاف، تمثل المرأة الريفية جوهر التنمية الزراعية المستدامة، حيث إن عملها بالغ الأهمية للأمن الغذائي وسبل العيش في العديد من البلدان. ولهذا، فإنها عندما تعمل بشكل جيد، سيتحقق الرخاء للدول أيضًا، وبدوره، سينتقل هذا الرخاء إلى الأجيال القادمة.