ملوحة التربة ثقيلة العبء على أصحاب الحيازات الصغيرة في إثيوبيا وجنوب السودان

  • وضمن الدراسة المذكورة، شارك ما يزيد على 500 مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة - منهم نحو 300 من أربع مناطق في إثيوبيا وحوالي 200 من خمسة مواقع مختارة في جنوب السودان - في سلسلة من دراسات المسح الأساسية لتقييم تأثيرات ملوحة التربة وغياب القدرة على الري بالشكل المناسب.
    وضمن الدراسة المذكورة، شارك ما يزيد على 500 مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة - منهم نحو 300 من أربع مناطق في إثيوبيا وحوالي 200 من خمسة مواقع مختارة في جنوب السودان - في سلسلة من دراسات المسح الأساسية لتقييم تأثيرات ملوحة التربة وغياب القدرة على الري بالشكل المناسب.
8 أبريل 2020

تتسبب ملوحة التربة وضعف الري في انعدام الأمن الغذائي وتفشي الفقر في بقاع من ريف إثيوبيا وجنوب السودان، حيث يواجه أصحاب الحيازات الصغيرة في تلك المناطق تراجعاً في الغلال وانخفاضاً في الدخل، وفقاً لما تبينه دراسة نُشرت مؤخراً.

وإذ تشير هذه الدراسة، التي أجراها المركز الدولي للزراعة المحلية (إكبا) بالتعاون مع وزارة الزراعة الإثيوبية والمعهد الإثيوبي للبحوث الزراعية ومديرية البحوث والتدريب في جنوب السودان، إلى وجوب تأقلم المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة مع ملوحة التربة وضعف الري، وتدبر أمرهم مع غلال متدنية أو معدومة.

وضمن الدراسة المذكورة، شارك ما يزيد على 500 مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة - منهم نحو 300 من أربع مناطق في إثيوبيا وحوالي 200 من خمسة مواقع مختارة في جنوب السودان - في سلسلة من دراسات المسح الأساسية لتقييم تأثيرات ملوحة التربة وغياب القدرة على الري بالشكل المناسب.

ففي إثيوبيا، أفاد أصحاب الحيازات الصغيرة أن ملوحة التربة تسببت في تراجع الإنتاجية الزراعية لديهم بنسبة تتراوح من 50 إلى 100 في المائة. وأشار أكثر من 85 في المائة منهم إلى أن نوعية مياه الري كانت السبب الرئيسي للتملح. ومن بين الأسباب الأخرى التي أدت إلى تدني الإنتاجية الزراعية هو سوء تسوية الأرض وضعف ممارسات الري ومشكلات الصرف والمادة الأم وغياب إمكانية الوصول إلى مياه الري.

ولعل التحديات آنفة الذكر هي أشبه بتلك التي تواجه جنوب السودان. فقد اعتبر ما يربو على 90 في المائة من أصحاب الحيازات الصغيرة أن عدم توافر مياه الري، وغياب إمكانية الحصول على تجهيزات الري والآليات الزراعية، يشكل عقبات رئيسية أمام إنتاجية المحاصيل، لاسيما خلال الموسم الجاف. فأكثر من 60 في المائة منهم يكسب أقل من دولار واحد في اليوم، بينما جلّهم يفتقر إلى المعرفة بالقضايا المتعلقة بالملوحة وإدارة الري، تاركين الغلال المتدنية للحشرات والأمراض.

أما النتيجة فقد كانت في فقدان الأمل لدى كثير من صغار المزارعين وتخليهم عن أراضيهم الزراعية، لينتهي بهم المطاف في حلقة مفرغة من انعدام الأمن الغذائي والفقر. لسوء الحظ، تطال التأثيرات الناجمة عن هذه الحال النساء والأطفال بالدرجة الأكبر.

وفي تلك المناطق تتزايد أعداد الأسر الريفية المعتمدة على برامج المساعدات الغذائية التي تديرها منظمات وطنية ودولية. لكن بالمقابل، يتسبب الطلب المتنامي في الضغط على تلك المنظمات أيضاً. 

إن هذه المشكلات تشكل عاملاً يجبر الذكور من أفراد الأسر على الهجرة إلى المدن بحثاً عن عمل، ما يخلق بدوره مشكلات اجتماعية.

يقول أحد المزارعين في مقاطعة دوبتي بإثيوبيا: "نحن نفقد ثروتنا الحيوانية بفعل الجفاف والأمراض، وكذلك نفقد أراضينا نتيجة التملح وتوسع المزارع التجارية التي تعود ملكيتها للدولة. لم يعد بمقدورنا تغذية أسرنا، حيث بتنا نعتمد كلياً على المساعدات الغذائية لأكثر من ستة أشهر في العام. أما ما تبقى لنا من قطعان أبقار فهي على بعد مئات الكيلومترات عنا بحثاً عن العلف. إنتاجية أرضنا منخفضة، ومصادر معيشتنا في حالة من التدهور، وضعف حالنا يسير نحو التردي. لقد سئمنا من الحديث عن مشاكلنا دون تلقي أي حل يذكر. شعبنا على استعداد للقيام بكل ما يمكن فعله، فاتحاً ذراعيه للتقانات القادرة على التخفيف من ملوحة مزارعنا وزيادة إنتاجيتها."

وفي جنوب السودان، يشير مزارعون إلى وجوب مساعدة الحكومة لهم من خلال تزويدهم بالآليات الزراعية. كما يعتقدون أن حصولهم على تقانات ري صغيرة النطاق سيساعدهم على تعزيز إنتاجيتهم الزراعية. هذا إضافة إلى حاجتهم إلى بذور جيدة النوعية وكذلك إلى تلقي التدريب.

وقال الدكتور أسد سروار قرشي خبير أول في إدارة المياه والري لدى إكبا والمُعد الرئيسي للدراسة: "تحتل إثيوبيا اليوم المرتبة الأولى في أفريقيا كمنطقة متأثرة بالتملح نتيجة أسباب بشرية وطبيعية. إذ تشير التقديرات الراهنة إلى أن مساحة تزيد على 11 مليون هكتار تعاني من الملوحة والصودية، منها ثمانية ملايين هكتار جمعت بين مشكلتي الملوحة والقلوية معاً، بينما تعيش مساحة 3 ملايين هكتار المتبقية مشاكل القلوية. وتقع الأراضي المتأثرة بالملح بجنوب السودان داخل نظم ري النيل الأبيض، حيث نادراً ما تم استثمار هذه المناطق لصالح الإنتاج الزراعي رغم إمكانيتها الهائلة لتوافر المياه العذبة من النيل."

إلا أن ثمة بارقة أمل تقدمها هذه الدراسة. فقد ورد فيها إمكانية استعادة المناطق ذات المستوى المتوسط من الملوحة من خلال تحسين ممارسات الري وإدارة المحاصيل. في حين يجب تطبيق نـُهج الزراعة الملحية في المناطق ذات مستويات الملوحة المرتفعة التي تجعل من زراعة محاصيل حقلية تقليدية أشبه بالمستحيل. وتشتمل هذه النـُهج على زراعة أعلاف متحملة للملوحة ونباتات ملحية (محبة للملح) بالتكامل مع نظم إدارة الحيوانات، حيث يمكن لهذه النظم المتكاملة أن تزيد من مرونة مزارع المحاصيل والثروة الحيوانية في إثيوبيا وجنوب السودان على حدّ سواء.

نُفذت هذه الدراسة ضمن مشروع خمسي بعنوان "إعادة تأهيل وإدارة التربة المتأثرة بالملوحة لتحسين الإنتاجية الزراعية" (RAMSAP) والذي استـُكمل عام 2019. أما هدف المشروع الممول من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD) فيكمن في زيادة الإنتاجية الزراعية وتحسين مستوى الأمن الغذائي والدخل لدى المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والمجتمعات الزراعية-الرعوية في إثيوبيا وجنوب السودان.