تعاون الأمم سبيل لا غنى عنه لمحاربة كوفيد-19

  • كما أن ثمة مخاطر تحدق بمصادر المعيشة لدى مئات الملايين من الفئات الأضعف في المجتمع من عمال اليومية والعمال المهاجرين إلى صغار المزارعين.
    كما أن ثمة مخاطر تحدق بمصادر المعيشة لدى مئات الملايين من الفئات الأضعف في المجتمع من عمال اليومية والعمال المهاجرين إلى صغار المزارعين.

د. أسمهان الوافي

المدير العام
الاثنين, 11 مايو, 2020

مع التفشي المتسارع لفيروس كوفيد-19، لجأ العالم نحو الانعزال. فقد فرضت بلداناً كثيرةً قيوداً على السفر والتنقل، وأغلقت غيرها حدودها بالكامل، بينما أصاب الجمود كثيراً من الصناعات.

وعلى الرغم من فداحة الأزمة الصحية العالمية التي نكابدها، إلا أنها تلفت انتباهنا إلى ثلاث نقاط بارزة: التكافل بين الأمم؛ والتفاوت في المجتمعات؛ وأهمية العلم.

وعلى الحكومات، التي تواجه هذه الجائحة تبني خيارات حاسمة. فمن ناحية هناك جانب الصحة والسلامة العامة، ومن ناحية أخرى هناك جانب الانعزال الاجتماعي والتراجع الاقتصادي جراء الإجراءات الوقائية.

أما الخبراء فيتوقعون نمطاً جديداً من الحياة الطبيعية في الفترة ما بعد الجائحة، حيث يشير البعض إلى تصورين، يتمثل الأول في ازدياد القومية وسياسة الحماية الاقتصادية؛ بينما يتمثل التصور الثاني في تسارع التعاون العالمي والأممي.

تعرضت التجارة الدولية لانتكاسات حادة نتيجة لإجراءات الإغلاق المحلية وإغلاق الحدود بين البلدان. أضف إلى ذلك ما تعرضت له سلاسل التوريد من اضطرابات. وتتنامى المخاوف حيال العجز الغذائي المحتمل في حال اختار المنتجون الرئيسيون تقييد حركة الصادرات أو منعها حفاظاً على الإمدادات محلياً. وللأسف اختارت بعض البلدان تطبيق قيود بدرجات متفاوتة رغم إيجابية التوقعات المتعلقة بالإنتاج الغذائي العالمي. وفي حال استمرار فرض القيود التجارية من قبل عدد أكبر من البلدان لفترة أطول، قد يكون بانتظارنا أزمة غذائية عالمية محققة.

إن المكاسب على مستوى ضبط الجائحة والوقاية منها لا يجب أن تكون على حساب التجارة بين البلدان. فتدفق الأغذية وغيرها من السلع الأساسية يجب أن يستمر على المستوى العالمي، فأهميتها للصحة العامة والرخاء توازي أهمية احتواء كوفيد-19 والحد من انتشاره.

وفي حين أن البلدان الغنية في وضع جيد لمواجهة أية اضطرابات على صعيد الإمدادات نظراً لما لديها من موارد تمكنها من إنتاج الأغذية أو شرائها، تبقى البلدان ذات الدخل المنخفض التي تعتمد كلياً على استيراد الأغذية عرضة لمخاطر جسيمة. فإضافة إلى الضغط المتزايد على نظم الرعاية الصحية في تلك البلدان، ستخضع نظم الأغذية لديها إلى ضغط هائل أيضاً.

وفي هذه الفترة الحاسمة، على العالم أن يعمل معاً كيد واحدة أكثر من أي وقت مضى لمنع تكرار أزمة الغذاء العالمية لعامي 2007-2008.

ومثلما تتباين تأثيرات هذه الجائحة بين الأمم، تختلف تأثيراتها على شرائح المجتمع المختلفة، إذ كشف كوفيد-19 التباين الطبقي بين الفقراء والأغنياء في جميع أنحاء العالم.

كما أن ثمة مخاطر تحدق بمصادر المعيشة لدى مئات الملايين من الفئات الأضعف في المجتمع من عمال اليومية والعمال المهاجرين إلى صغار المزارعين.  

لا شك أن العاملين في قطاع الرعاية الصحية هم أبطال اليوم الحقيقيون، فهم من يقف في خط الدفاع الأول لمحاربة كوفيد-19. لكن مع التحذيرات التي أطلقها الخبراء من بوادر أزمة غذائية تلوح في الأفق، يبرز الدور المحوري للمزارعين ومنتجي الأغذية والمسؤولين عن توريدها، صغاراً وكباراً.

إن الخطر الذي يواجههم، والذي لا يزال مخفياً حتى يومنا هذا، هو ذات الخطر الذي يواجه كل من يعتمد على ما ينتجونه ويوردونه من غذاء. وهنا يجب أن نأخذ بالحسبان حقيقة أن المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة يوفرون الغذاء بنسبة تصل حتى 80 في المائة في أفريقيا وآسيا. ففي حال غياب تقديم دعم إضافي لهؤلاء المزارعين وعدم تمكنهم من الوصول إلى الموارد والمستلزمات، ستتراجع إنتاجيتهم الزراعية ودخلهم بشكل خطير، الأمر الذي سينعكس بالتالي على الأمن الغذائي داخل مجتمعاتهم.

بالنسبة لهم، يشكل المرض تهديداً لحياتهم بقدر ما يهدد مصادر معيشتهم. وهنالك المزيد من الأرواح المعرضة للخطر لمجرد عدم حصول الأشخاص على كمية كافية من الغذاء ليقتاتوا عليه أو المال لشرائه.

فمع البطالة التي قد تترافق مع توافر القليل من المال المدخر أو الافتقار إليه، ستؤدي أقل زيادة في أسعار الأغذية الأساسية إلى تبعات كارثية تصيب شريحة الأشخاص القابعين في قاعدة الهرم. الأمر الذي سيسفر عن تردي حالة الفقر والجوع.

لا يمكننا خسارة عقود من التطور في مجال محاربة الفقر والجوع عالمياً. لهذا يجب على العالم المتقدم أن يهب لمساعدة البلدان ذات الدخل المنخفض خلال هذه الأزمة.

إن هذه الجائحة قد وضعت العلوم والابتكارات في قمة جدول الأعمال. فاليوم تضخ بعض البلدان مليارات الدولارات في نظم الرعاية الصحية، بينما تخصص المؤسسات مبالغ ضخمة لتمويل البحوث الطبية.

وبقدر ما نحن بحاجة إلى العلوم والابتكار في ميدان الصحة، نحن بحاجة إليها أيضاً لحماية الأمن الغذائي والتغذية، لاسيما لدى الفئات الأضعف في المجتمع.

إن علماء الطب حول العالم يعملون معاً اليوم لتطوير لقاح ضد كوفيد-19. بينما دأب علماء الزراعة على العمل سنواتٍ كثيرةٍ لتحصين نظم الغذاء لمواجهة شتى الأزمات. 

لهذا السبب تعطي دولة الإمارات العربية المتحدة أولوية للبحوث والتنمية الزراعية وإنتاج الأغذية كأحد جوانب الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051. كما تدعم الحكومة العلوم والابتكارات على المستوى المحلي والخارجي على حد سواء. ومن ضمن المبادرات الرسمية المقدمة في مجال التنمية، ترفد الإمارات العربية بلداناً أخرى بالمعرفة العلمية من خلال منظمات مختلفة كالمركز الدولي للزراعة الملحية (إكبا). إذ يسعى إكبا جاهداً، وغيره من المنظمات، إلى إيجاد نظم غذائية أكثر تنوعاً ومرونة في شتى البلدان. وتمثل جهود المركز في دعم المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والمجتمعات الريفية أكبر برهان على ذلك.

تثبت نوائب الدهر التي عصفت بالعالم في سابق العصور، بأن العالم باتحاده يبقى دائما بأفضل حال. وهذا ما يجب أن ينطبق على هذه الأزمة أيضاً، إذ لا شك أننا سنجني اليوم مكاسب أكبر من خلال التعاون الدولي في ميدان التجارة والعلوم والابتكارات، لا من خلال العمل متفرقين.